مقالات

ذكريات البرك والينابيع في جبل عامل

لا زالت ذكريات ضفاف الأنهار والبرك والينابيع ماثلة في ضمير أهالي منطقة جبل عامل، فعلى ضفاف الأنهار والينابيع كانت تلتقي النسوة من أجل ملئ أوعية الماء، وعلى ضفاف البرك كان يتم غسل الثياب، لذا فإنّ أغلب مخزون الذاكرة الشعبيّة للأهالي تتمحور حول العين والنهر والبركة، فالماء هو الحياة، وحيث يوجد الماء يتواجد الإنسان.

وبسؤال الأستاذ المؤرّخ الاستاذ قاسم حجيج رئيس بلديّة دير انطار، والسّجل الحيّ للذاكرة الشعبيّة لمنطقة جبل عامل عن دور الينابيع والبرك في بناء تلك الذاكرة لأهل المنطقة، أجاب: “بالطّبع لم يكن في الماضي تمديدات مياه تصل إلى البيوت كما في وقتنا الحالي، وإنّما كان يتم نقل المياه إلى البيوت عن طريق أوعية جلديّة تسمّى القرب، وفيما بعد صارت هذه القرب تُصنع من المطاط أو الكاوتشوك وتسمّى القفّة، وهذه القفاف كانت تُملئ بالمياه وتوضع على ظهور الحمير أو البغال لثقلها، وتجرّ إلى البيوت، وكانت النسوة هي المسؤولة عن عمليّة التزوّد بالمياه للمنزل، أو الأطفال الصّغار، بحيث يُعتبر من المعيب تواجد أيّ رجل على النّبع حيث توجد النسوة، وكان هذا الاجتماع اليوميّ فرصة تتباحث فيها النسوة في جميع الشؤون دون رقابة الرّجال، وكانت مجالس حيّة بامتياز، تنتظرها النسوة من يوم إلى يوم”.

وأكّد الأستاذ الاستاذ قاسم حجيج أنّ البرك التي تتجمّع فيها مياه الأمطار كانت تُستعمل كذلك لغسل الأواني والملابس، وحيث أنّه لم يكن الصابون مستعملاً إلا عند علية القوم، فكان المخباط هو وسيلة غسل الملابس، والمخباط هو عصا غليظة يتمّ ضرب الملابس المتّسخة بها مراراً حتّى تتحلل الأوساخ التي عليها، من ثمّ يتم شطفها بالماء، وتكرر العمليّة حتّى تزول الأوساخ تماماً عن الملابس، وهناك مثل شائع في المنطقة يقول: التوب الوسخ بدو مخباط كبير! وهو مثل يُطلق على ضرورة تناسب ردّ الفعل مع الفعل، فمن صفعك عليك أن تصفعه لا أن تسبّه فقط، وهكذا، بالطّبع فإنّه خلال الصيف كان البرك تتحوّل إلى مستنقعات قذرة بسبب تجمّع قاذورات القرى فيها، بينما تقوم أشعّة الشّمس بتجفيفها وتخفيف منسوب المياه فيها، غير أنّ الشتاء وتجدد المياه، والسيول الجارفة كانت تعيد تنظيف مياه تلك البرك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى