مقالات

قاسم حجيج وذاكرة جبل عامل: مثل شعبي عن الغش

في منطقة جبل عامل هناك مثل شائع يقول: “نهموا حصني وشبّاه حمري”، وهو مثل يُضرب في الغش وتزييف الحقائق، وما أحوجنا في هذه الأوقات للوقوف على المعنى العميق لهذا المثل القديم، الذي يعطينا فكرة واضحة عن نموذج الحياة قديماً في منطقة جبل عامل، ومدى التشابه بين اليوم والأمس.

بسؤال الأستاذ قاسم حجيج، المؤرّخ والباحث في التراث الشعبي والذاكرة الشعبيّة لمنطقة جبل عامل عن معنى هذا المثل ودلالاته أجاب: “يهتّم العامليّون كثيراً بالخيل الأصيلة، وهم يحتفظون في مزارعهم بأنقى سلالات الخيل العربيّة، فكان من يمتلك منهم فحلاً أصيلاً يزهو به على بقيّة أهل القريّة، ويطلب هؤلاء ودّ هذا الفحل لأفراسهم وحتّى لحميرهم، فالأتان التي يلقّحها فحل أصيل تلدُ نغلاً قويّاً مرغوباً للأعمال الزراعيّة، غير أنّ صاحب الفحل الأصيل كان يستخسر أحياناً سلالة حصانه بالأتان، لذلك كانوا ينهمون الأتان، أي يحمسوها على التزاوج من خلال تمرير الحصان الأصيل من أمامها عدّة مرّات، فيغويها شكله وفحولته، وعندما تبدأ مفرزاتها الجنسيّة بالتقاطر، يبعدون الفحل الأصيل عنها، ويأتون بذكر حمارٍ يقوم بتشبية الأتان، والتشبية هي عملية التلقيح بين الذكر والأنثى عند الدّواب”.

ويضيف الأستاذ حجيج: “هذا المثل يعطي صورة كلاسيكيّة عن الحياة في تلك الفترة من الزمن في هذه المنطقة، ويعطينا أيضاً فكرة عن عمليّات الغشّ التي كانت تجري آنذاك، فمالك الفحل، وبغضّ النّظر عن أسبابه، قام بعمليّة غشّ حين بدّل الحصان بالحمار، وخاصّة أنّ العمليّة تكون في أغلب الأحيان ببدل، فصاحب الأتان، أو الفرس التي يرغب صاحبها في خطب ودّ الفحل الأصيل لدى المالك، لا يأتي خالي الوفاض، بل كان يأتي دائماً محمّلاً بسلّة بيض، أو زوجي ديوك بلديّة، أو قفّة تين ناضج، أو يابس، أو أيّ شيء مما تجود به أرض وطبيعة المنطقة، وبالتالي، فإنّ تغيير الملّقح يُعتبر غشّاً، لذلك كان الخاطبون يصرّون على حضور عمليّة التشبية تلك حتّى لا يتمّ التلاعب بدابّتهم وكسر خاطرها بهذا الشكل!”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى