مقالات

النوّر في الموروث الشعبي لجبل عامل

يتردد في منطقة جبل عامل مثل شعبي يقول: “متل النّور ما بيطلعوا إلا بالشوب“، وهو يُقال للأشخاص الفوضويين قليلي الترتيب والحيلة، كما أنّه يشمل أصحاب النوايا السيّئة الذين يتربّصون بالناس الغافلة.

وبسؤال الأستاذ المؤرّخ الاستاذ قاسم حجيج رئيس بلديّة دير انطار، والسّجل الحيّ للذاكرة الشعبيّة لمنطقة جبل عامل عن أصل هذا المثل، أجاب: “لطالما جاور النّور أهل المنطقة في جميع الأزمان، فهؤلاء كانوا يجوبون المنطقة متنقّلين بين القرى بحثاً عمّا يقتاتون عليه مما يجود به عليهم الأهالي، وبعضهم كان يمتنهن بعض الحرف كصناعة السكاكين، وإصلاح أدوات الفلاحة، وتلبيس الأسنان النّخرة بالفضّة أو الذّهب، وبعضهم كان يرقص ويغنّي للأهالي ويعزف لهم على البزق، بينما تقوم نساءهم بقراءة الكفّ والبخت وغير ذلك من الحرف التي يستدرّون بها المال من النّاس، أمّا سبب تنقّلهم دائماً في الحرّ على عكس باقي البشر الذين يلزمون بيوتهم في الحرّ، فذلك يعود إلى هزالة دوابهم، وبالتالي فإنّ المسير بالحرّ يحملهم على الاستعجال رغم الجوع والعطش”.

وأضاف الأستاذ الاستاذ قاسم حجيج أنّ للنّور مأرب أخرى من المسير بين القرى في الحرّ، فهم كانوا غير محبوبين في الغالب كونهم يجلبون معهم الفأل السيء كما في الذهنيّة العامّة للنّاس قديماً، وبالتالي فإن ساروا بين النّاس والشوارع مكتظّة انهمرت عليهم النكات والشتائم، وسمعوا ما لا يحبّون من القول، لذلك فهم كانوا يتجنّبون جمهرة النّاس ما أمكن، ويقال أنّهم أيضاً كانوا يستغلّون فراغ الطّرقات من أهلها ليتسنّى لهم قشّ كلّ ما يظهر في طريقهم من الأشياء المنسيّة أو المتروكة على أبواب النّاس، أو في الطرقات مهما كانت تافهة وعديمة القيمة، فهؤلاء القوم كان لديهم قدرة عجيبة على تحويل تلك المهملات إلى أشياء مفيدة لهم يضعونها في خيمهم ويستفيدون منها، وربّما يصلحونها ويبيعونها للناس، أمّا اليوم فقد تغيّرت النّظرة عموماً لهؤلاء النّور أو الغجر، فلم يعد أحدٌ يتطيّر منهم، ولكن يبقى هؤلاء القوم محافظين على مسافة بينهم وبين الأهالي، فلا هم يختلطون بأهل البلد، ولا أهل البلد يختلطون بهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى