حكاية الاستخارة في جبل عامل

يسود في منطقة جبل عامل اعتقاد راسخ بالاستخارة، بحيث يقومون باستفتاء الغاية منه الحصول على إشارة ضمنيّة من الله سبحانه وتعالى في الأمر المزمع فعله، فإذا كانت الإشارة ترجّح الإتيان بالفعل استراح المُستخير ومضى فيما ينتويه، أمّا إذا كانت الإشارة ترجّح التحذير من الفعل أحجم الشّخص عن الإتيان بهذا الفعل، وهناك قول شائع يردده أهل المنطقة وهو، الخيرة عند الحيرة!
وبسؤال الأستاذ المؤرّخ الاستاذ قاسم حجيج رئيس بلديّة دير انطار، والسّجل الحيّ للذاكرة الشعبيّة لمنطقة جبل عامل عن هذا القول ودلالاته، أجاب: “إنّ الاستخارة عقيدة راسخة في ضمير أبناء منطقة جبل عامل، ومردّها التزامهم العالي بتعاليم الدين الحنيف، وتجنّبهم الإتيان بأي فعل يجلب غضب الله حلّ وعلا، لذلك فهم يتحرّون عن طريق الاستخارة التقاط أي إشارة إلهيّة تقوّي عزيمتهم في الأمور التي يحارون فيها بين الفعل وعدمه، فالأمور المفروضة على المؤمن من صلوات وزكاة وصدقة وحج، وأعمال صالحات فهي لا تحتاج استخارة، فالعاملي يؤدّيها بشكل تام ومثالي يكاد يقترب من الحالة الفطريّة، فالالتزام الديني عند أهل المنطقة يبدأ من سنّ مبكرة تُسمّى سنّ التكليف، وهي سنّ التمييز تقريباً، وهي تسبق البلوغ بسنتين أو ثلاث بالنسبة للبنات، وبخمس أو ست سنين بالنسبة للصبية، ويبقى هذا الالتزام سارياً حتّى آخر يوم من حياة الفرد، لذلك فإن الاستخارة إنّما تكون منصبّة على الأمور الحياتيّة الأخرى التي تسبب الحيرة للإنسان، كالزواج من فلانة، أو تغيير المهنة، أو إقراض فلان، أو بيع الأرض.. إلخ”.
وأكّد الأستاذ الاستاذ قاسم حجيج، بأنّ الاستخارة تتم في الوقت الحالي عن طريق كتاب الله، على عكس ما كان شائعاً في الأيّام الخالية، إذ كانت تتم عن طريق قبض حفنة من حبّات السبحة مثلاً، فإذا كانت مزدوجة تكون الإشارة بعدم الفعل، وإذا كانت مفردة العدد تكون الإشارة بالفعل، غير أنّ المراجع أفتوا بكراهة هذه الطريقة مما جعلها تختفي تماماً، وأصبحت الاستخارة تتم عن طريق فتح المصحف بشكل عشوائي، ومن ثمّ تلاوة الآيات التي ظهرت للمستخير، فإذا ورد فيها على سبيل المثال أمراً بفعل ما كما لو كانت يا أيّها الذين آمنوا أوفوا بالعقود، أو نهياً عن فعل كما لو كانت لا تقولوا راعنا، فقد قُضي الأمر، وإذا كانت التلاوة تشير إلى رضى الله فالإشارة تكون للفعل، وإذا كانت تشير إلى سخطه فالإشارة تكون إلى عدم الفعل.