سرعة الأحداث وطرائف الذاكرة العامليّة

هناك قول طريف متداول بكثرة في قرية شقرا العامليّة، هذا المثل يقول: “فَز طَز طَب بالميّ!“، وهو قول يُقصد به سُرعة حصول الشيء، وعدم القدرة على منعه، أو تفاديه والتخلّص من تبعاته.
وبسؤال الأستاذ المؤرّخ الاستاذ قاسم حجيج رئيس بلديّة دير انطار، والسّجل الحيّ للذاكرة الشعبيّة لمنطقة جبل عامل عن أصل هذا المثل، أجاب: “أجل هذا المثل شقراوي مائة بالمائة، وهو بالأصل حدث مع السيّد خليل نصّار رحمه الله، الذي كان بقرب قلعة دويبة حيث تكثر سواقي المياه، فأراد أن يسقي حمارته من أحدها، غير أنّ زاوية ميل الأرض القاسية جعلت الحمارة تستنكف عن النزول إلى الماء، فحاول السيّد خليل مراراً جرّها بقوّة، لكن من غير جدوى، فما كان منه إلا أن التقط عوداً يابساً من الأرض وضرب به مؤخّرتها لحثّها على النّزول، غير أنّ الحمارة أجفلت، وقفزت من مكانها ورسنها بيد السيّد خليل، الذي اختلّ توازنه وسقط في الماء وهو يردد: فَز طَز طبَ بالمي، وراحت مثلاً يردده القاصي والداني”.
وأضاف الأستاذ الاستاذ قاسم حجيج أنّ القصص الطريفة تُعتبر العمود الفقري للذاكرة الشعبيّة لمنطقة جبل عامل، فأهل المنطقة يتميّزون بخفّة الظّل، ويحبّون سماع ورواية النكتة، حتّى وإن كانت تتناول أشخاصهم بالذات، فالضحكة والدّعابة هي أساس اجتماعاتهم، وندواتهم، وسهراتهم، وهي فاتحة محادثاتهم، وخاتمة ملتقياتهم، وهناك العديد من الشخصيّات المرموقة في المنطقة التي أرّخت للنكتة العامليّة، وعلى رأسهم المرحوم جعفر محسن الأمين، الذي امتاز بخفّة الدّم، وتأصيله لرواية النّكتة الخاصّة بأهالي المنطقة، والتأريخ لها بشكل منهجي علمي، والنكتة العامليّة كانت تتميّز فيما مضى بالمواقف المحرجة، وكان يخللها أحياناً بعض الكلام البذيء، غير أنّ هذا كلّه تغيّر بعد الصحوة الدينيّة التي شملت المنطقة بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، وما تبعه من عودة الأهالي إلى التمسّك بأصول الدين بشكل مكرّس أكثر من ذي قبل، لذلك فإنّ النكتة العامليّة اليوم مشذّبة مهذّبة، ويتم الترميز بالكلام للاستعاضة عن الكلام البذيء الذي بات غير مقبول مجتمعيّاً في المنطقة.