قاسم حجيج وحكاية مثل: “كنها حربا حربت روحها”

من الأمثال الغريبة التي يشيع استعمالها في منطقة جبل عامل، مثلٌ يكاد يكون غير مفهوم المعنى، وهو “كنها حربا حربت روحها“، وكما يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}، فقد توجّهنا بالسؤال إلى المؤرّخ والخبير بالذاكرة الشعبيّة غير المكتوبة الأستاذ الاستاذ قاسم حجيج رئيس بلديّة دير انطار بالسؤال عن تاريخ ومعنى هذا المثل، فأجاب:
“اعتاد عبر الأزمان أن يحلّ على جبل عامل ضيوفٌ من البدو في فصل الصيف يحملون معهم منتجات أغنامهم لمبادلتها بمحاصيل الزبيب والتين والزيتون التي تجود بها منطقتنا، وطبعاً كانوا يحلّون ضيوفاً على أهل المنطقة، ولا أحدّثكم عن كميّة الكرم والحفاوة التي يحظون بها، حتّى أنّهم كانوا لا يودّون المغادرة من جمال الطبيعة، والحفاوة، ويُحكى أنّ جماعة من البدو نزلوا على ضيافة شخص عامليّ يملك كرماً فيه تين عامرٌ بالثمار، فأشار لهم أن يدخلوا الكرم ويتذوّقوا ما طاب لهم من ثمار التين، وبالفعل دخل القوم إلى الكرم وبينهم شخص أعمى على ما يبدو، وبدأوا بتسلّق أشجار التين والتهام ثمارها اليانعة، حتّى الأعمى كان يتسلّق الأشجار ببراعة إلى جانب أحد إخوته الذي يساعده على تحسس الأغصان، وأثناء انهماكهم بالأكل، نادى الأعمى أخاه، وك يا خوي، كأنّي باكل طاب تين فسدان، فانتبه له أخوه، وهو يمضغ التين المعسّل بدوره، فإذا به يُشاهد ذنب سحليّة يتدلّى من فم أخيه، فصاح به، وك يا خوي انت كلت حربا (حرباء)، فأجاب الأعمى وهو يتابع بلعها، كنها حربا حربت روحها، بمعنى أنّها جنت على نفسها حين وضعت نفسها في طريق طعامي”. في المعنى العام للمثل، فإنّه يُطلق على من يضع نفسه في طريق المخاطر، أو يفرّط بها دون دراية، أو دراسة للعواقب، وهو تماماً كالمثل العربي القديم: “جنت على نفسها براقش“، ويُتابع الأستاذ قاسم حجيج: “في منطقتنا هناك اعتداد كبير بالنفس، ولا زالت التقاليد العربيّة الأصيلة تحكم تصرّفات أهل المنطقة، وهذا المثل يُستعمل أيضاً لتحذير من يتحدّى مشيئة من صمم على فعل شيء، أو يقف في طريق مصالحه، علّه يرتدع إذا سمع هذا التحذير، فيرتدّ ويبتعد عن طريق الشخص الذي أطلق التحذير”.