الإصرار في ذاكرة جبل عامل
من الأقوال الطريفة الشائعة في منطقة جبل عامل، مثل يُقال في حال الإصرار على الحقيقة رغم تعنّت المتعنّتين، إذ يُقال في مثل هذه الحالة: “لبن وستميت لبن“، ويبدو من ظاهر الكلام أنّ الشخص الذي ردد هذا القول لقي معارضة شديدة فيما يقول أو يعتقد، لذلك أصرّ على قوله ستمائة مرّة.
وبسؤال الأستاذ المؤرّخ الاستاذ قاسم حجيج رئيس بلديّة دير انطار، والسّجل الحيّ للذاكرة الشعبيّة لمنطقة جبل عامل عن أصل هذا المثل، أجاب: “نعم هذا القول يشير إلى إصرار الشّخص على موقفه برغم كلّ المغريات، أو التحذيرات التي تلقّاها من أجل تغيير كلامه، ويُحكى أنّ السيّد عبد الله قاسم من بلدة حولا، وكان شخصاً متعلّماً يتقن القراءة والكتابة، وعلّم أطفال قريته ردحاً من الزّمن، وكان باشكاتب بلدته لمدّة طويلة، ويتلو زيارة الحسين في المناسبات الدينيّة، ويكتب أيضاً مراسيل أهل بلدته والبلدان القريبة، غير أنّه كان مكبوتاً في منزله، فزوجته المتغطرسة كانت صاحبة الكلمة والأخيرة في البيت، وكان ينفّذ مشيئتها دون مراجعة، وفي أحد الأيّام طبخت المجدرة، وهي أكلة شعبيّة مشهورة في منطقة جبل عامل وكامل بلاد الشام، وقوامها البرغل والعدس ويُرشّ على وجهها البصل المقرمش، ولكنّها لم تضع لبناً على الطبليّة مع المجدّرة، فسألها بعفويّة: أين اللبن؟ فأجابت بنبرة عالية: المجدرة ما بدها لبن، فأجابها بصوت خفيض مستنكراً: والله بدها لبن، فحمحمت في وجهه قائلة: قلتلك ما بدها لبن، فغادر البيت وصار يصرخ من خارج البيت: إي بدها لبن وستميت لبن، والناس من حوله يضحكون، وهي تتوعّده من داخل البيت”.
وأضاف الأستاذ الاستاذ قاسم حجيج أنّه من أهم صفات أهل المنطقة أنّهم عنيدون، وهذا العناد مبني على عقيدة راسخة قوامها الإيمان بالله، والتمسّك بالدين وطريقة أهل البيت عليهم السلام، ساهم في بناء ذهنيّة صلبة لأبناء المنطقة، يجعلهم عصيين على التغيير، ومصريّن على الاستمرار بخطّهم المميّز، الذي لفت انتباه العالم كله إلى بأسهم وصلابتهم وتمسّكهم بالحق والحقيقة دون مواربة أو تفريط، فهم سيكررون أقوالهم دائماً مهما كانت المغريات، طالما أنّهم عل الحق فلا يبالون وسيبقى اللبن لبن وستميت لبن.