مقالات

قوة الرجولة في جبل عامل

يمتاز أهل منطقة جبل عامل باعتدادهم برجولتهم، وتمسّكهم بالسّمات الدّالة على القوّة والصلابة، فالرّجل يجب أن يكون قويّاً مُهاباً بين قومه وعشيرته، وإلا ذلّ وهان واستوطى النّاس حيطه -كما يُقال بالدّارج، وهناك مثل شعبيّ شائع في منطقة جبل عامل يقول: “الرّمح ما بيتخبّى بالعديلة!“، ويُطلق هذا المثل على الشّخص المتقاعس عن حقّه، الجبان الذي يُخفي ضعفه تحت ستارٍ واهٍ من الأعذار غير المنطقيّة، فيُقال له هذا المثل، بمعنى أنّ جبنه مكشوف وواضح، ولا داعٍ للأعذار والمغمغة.

وبسؤال الأستاذ المؤرّخ الاستاذ قاسم حجيج رئيس بلديّة دير انطار، والسّجل الحيّ للذاكرة الشعبيّة لمنطقة جبل عامل عن هذا المثل واصله، أجاب: “إنّ العديلة وجمعها عدل، هي كيس يُصنع من وبر الماعز، يمتاز بالقوّة والمتانة، كان يُستعمل لوضع الحاجيّات فيه، ويوضع على ظهور الدّواب والجمال لنقل البضائع فيه، أمّا قصّة المثل، فيُحكى أنّ رجلاً من أهل جبل عامل خرج للصيد، ومعه قوسه، فرمى إحدى الطّرائد فأصاب سهمه بالخطأ بقرةً لشخصٍ من أهل المنطقة أيضاً مشهور بالقوّة والبأس، فهجم هذا الأخير على الأوّل، وضربه حتّى أدماه، وهدده بأنّه إن لم يدفع ثمن البقرة المقتولة خطأ، فإنّه سيهجم على بيته ويحرقه بمن فيه، ثمّ تركه يذهب، وعندما علم أهل البلدة بما حدث، لاموا الشخص المتسبب بقتل البقرة على جبنه، وكيفيّة تقاعسه عن الرّد على الشخص المتجبّر الذي ضربه، فأدماه، فالحادثة وقعت عرضاً، وهي ليست مقصودة، ولا يحقّ لصاحب البقرة أن يضربه أبداً، وأنّه كان يجب عليه أن يُدافع عن نفسه، ولمّا شاعت القصّة بين أهل البلدة، قرر الرجل المستضعف أن يُغادر القرية إلى غير رجعة، فجمع حاجيّاته ووضعها في العديلة، ثم وضعها على ظهر حماره، واستغلّ عتمة الليل ليهجر البلدة، غير أنّ سوء حظّه جعله في طريق بعض الحصّادين الذين أبكروا للذهاب إلى بيادرهم، فشاهدوه وقد وضع حاجيّاته على حماره، فناداه أحدهم، أتهرب يا فلان؟ فأجاب: لا، وإنّما أنا ذاهب لأنتقم من الشّخص الذي ضربني وأهانني بغير حق، فسأله ثانٍ: ولم تأخذ معك حاجيّاتك إذاً، فأجاب الرّجل: لا هذه ليست حاجيّاتي، وإنّما في العديلة رمحي وسيفي وبلطتي من أجل قتال الشخص الآخر، فضحك الحصّادون وقالوا: الرّمح ما بيتخبّى بالعديلة، غامزين إلى كذبه وجبنه، ووضوح فراره، فكيس العديلة أقصر بكثير من أن يسع الرّمح”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى